السادة اعضاء المجلس الموقر لقد دارت كثير من الأحاديث والمناقشات حول السياسة الخارجية لبلدنا الحبيب خاصة مع القوة العظمى فى عالمنا اليوم "الولايات المتحدة الأمريكية"،وتم تقديم الكثير من طلبات الاحاطة والاستجوابات حول المعونة الأمريكية والى أين توجه هذه الأموال أو حتى دور "الولايات المتحدة الأمريكية" قى تحديد الموقف المصرى ازاء قضايا مهمة مثل:الصراع العربى الاسرائيلى؛حرب الخليج الثانية والثالثة،ملف ايران النووى،أو حتى فى مواضيع تتعدى الاقليمية وتصل الى مناطق أكثر خصوصية مما طرح فكرة سيادة الدولة ومناقشاتها مثل:الديمقراطية،التوريث،وحتى حقوق الانسان والمرأة والأقليات.
لذا دعونا نوضح لماذا نحن غير مؤيدين للوجود الأمريكى فى مصرفى نقاط محددة:
ان هذا الانفتاح الكبير على كل ما هو أمريكى:أفلام أمريكية وأفلام عربية تقلد أفلامهم،فيديو كليب أمريكانى وعتريس اللى بيغنى وهو لابس كاوبوى. حتى الأكل فكل الناس –بما فيهم أنا- نأكل الهامبرجر ونشرب البيبسى ونلبس الجينز ونحلم نركب الموستانج ونطلع بها امريكانى. وحتى الاحتفالات فأصبح الفالنتين داى يوم قومى يجب منحه كاجازة رسمية للموظفين،نحتفل بالهالوين داى ونعمل فى بعض ابريلز فوول...كله أمريكى.
وهذا كله لا يمسح فقط هويتنا ويجعلنا تابعين(عالة) على ثقافة أخرىوليست مجرد سحب للخصوصية الثقافية بل هى تغليب للمظاهر واهلاك المواطن العادى بسلع فوق طاقته الاقتصادية وهذا يصيبه بالاحباط واليأس والسخط على بلده وفقدان انتمائه لها بل أيضا يجعله يدخل فى دوامة السعى وراء الرزق لتلبية هذه الاحتياجات فنتحول من بلد منتج الى بلد مستهلك ومن أفراد تضفى القيمة على الأشياء الى افراد نكتسب قيمتها مما نمتلكه. الهامبرجر أغلى من السجق،ونايك أغلى من باتا،والجينز الليفيس أغلى من الجبردين وهكذا واللى معاهوش يجيب الماركة الفلانية ويدخل المول الفلانى فيه المضروب والمتهرب والمستعمل...فتشترى البنات حقيبة يد كتب عليها "دولتشى اتد جابانا"حتى تصبح "ستايل" والشباب يقتنى الطقم الرياضى "اديدوس" لعل وعسى أحدا لن يلحظ الفرق ويظنه يرتدى "اديداس" او حتى لو لاحظ يعرف أنه يعرف المغفور له الحاج "اديداس". هذا ما تريد أمريكا ان توصلنا اليه ننسى شكل شوارع جاردن سيتى الجميلة التى كنا نهرب اليها أحيانا ونتمشى فيها نظن أننا ملوك العالم لمجرد وجود المبنى المقدس "السفارة الأمريكية" التى يتكدس امامها يوميا العشرات أملا فى تأشيرة لأرض الميعاد وخلال تلك المحاولة لا مانع من تقبل المعاملة المهينة والمذلة والتفتيش الذاتى. امريكا تريدنا ان نعلم انها فى كل مكان؛ننسى العرقسوس ونفتكر البيبسى.نحلم ببراد بيت ونكره سمار عبد الحليم حافظ.نطمح للعمل فى الشركات متعددة الجنسيات ولا نبنى المصانع والمزارع والمشاريع الانتاجية.
بصفتنا بلد قديم حوالى سبعة آلاف سنة فلدينا فلكلور من الأمثال الذى تتخذه الحكومة شعار للمرحلة وتستخدم القوة العظمى هذا الفلكلور لتوجيه خطاب مناسب للحكومة والشعب.
وفى هذا الصدد فان أمريكا "تطعم الفم لتستحى العين"معونة أمريكية تقدر بالمليارات تمنح لمصر سنويا تدار هذه الأموال من مستعمرة أمريكية صغيرة بالمعادى تسمى مبنى المعونة الأمريكية يتقرر داخله مجالات الاستثمار أو الدعم بما يتناسب مع اجندتها،تهدد بقطع المعونة وتناقش هذه الاقتراحات فى الكونجرس وعندما يأتى القرار اننا "واكلين ومستحيين"يتصدر الخبر صدر الصحف القومية ويصور على أنه انتصار للشعب المصرى وتحت هذا الخبر ببنط صغير عنوان يقول "مصر تأكد عى احترام جميع الأطراف لسيادتها ولدورها الرائد فى المنطقة"؛وليت المشكلة تتوقف عند حد استخدام المعونة كورقة ضغط ولكن تتعدى هذا الحد لتكون مجرد وهم نسمع عنه ولا يحس المواطن بأى فرق لوجودها أو عدمه ولكن عليه أن "يستحى اجباريا".
دعونا نتخطى مسألة المعونة أيها السادة الأعضاء ونتحدث عن الديمقراطية:جاءت أمريكا بدعاوى التحرر من الفساد والديكتاتورية الى المنطقة وأسمت هذا المشروع "الشرق الأوسط الكبير"،افغانستان:شالو طالبان حتوا قرضاى.العراق احتلوه ودمروه ووضعوا ايديهم على بتروله وحاكموا صدام محاكمة هزليةوأشعلوا الحرب الأهلية ونصبوا المالكى على امور العباد. وأشادوا بمناخ الديمقراطية وخطوات مصر الواثبة نحو الديمقراطية من تعديل الدستور ،للانتخابات الرئاسية، لانتخابات مجلس الشعب ؛ومع ذلك أصدروا تقارير ترصد الانتهاكات التى حدثت والتزوير والاعتداءات والاعتقالات وهذا التزاوج يشرحه سياسة "سيف المعز و ذهبه" حين تكون الحكومة "مستحية: اذن فهى ديمقراطية؛ان فعلت مثل القطط "أكلت وأنكرت"تتطالب الولايات المتحدة الأمريكية بحقوق الأقليات وتناقش قضايا أقباط المهجر والبهائيين وتجعل المنظمات الحقوقية التى تمولها تتحدث عن الانتهكات فى السجون المصرية –التى فى ملاحظة بريئة نقول أن أمريكا ترسل بعض معتقليها لاستجوابهم هنا-والتزوير فى الانتخابات الأخيرة وطالبت بالافراج عن أيمن نور.
وهنايأتى الحل النميس زيارة سرية لجمال مبارك للبيت الأبيض يقدم فيها أوراق اعتماده كرئيس للجنة السياسات فى الحزب الحاكم مما يؤهله الى رئاسة أشياء أخرى لاحقا وكذا التأكيد على استراتيجية العلاقات المصرية الأمريكية.
ويستمر مسلسل الاذعان بدءا من اشتراك مصر فى حرب تحرير الكويت، الى مساعدة كبرى الشركات المصرية فى عملية اعمار العراق،وعدم استقبال وزير الخارجية المصرى لمحمود الزهار وزير خارجية فلسطين الذى يمثل حكومة حماس المنتخبة،الى عدم موافقة مصر على طموح ايران النووى ولكن صمتها المطبق عن برنامج اسرائيل النووى،الى امضاء مصر على اتفاقية الكويز وتفعيل التطبيع وموت اثنى عشر مصرى فى بارجة عسكرية اسرائيلية استهدفتها حزب الله خلال اعتداء اسرائيل على لبنان.
ان الوضع الراهن فى مصر والأمة العربية بشكل عام ليس نتاج فقط الوجود الأمريكى فى المنطقة أو حتى زرع الغرب للكيان الصهيونى المسمى اسرائيل فى المنطقة؛بل المشكلة الكبر هى عدم وجود اى مظاهر جمعية تقاوم مثل هذا التدخل وتدافع عن الحق فى وطن مستقل يقرر مصيره بنفسه.والمؤلم تزامن هذا السكون من قبل العرب شعوبا وحكومات مع صعود تيارات معادية لأمريكا وتحاول الانفلات بثقافتها واقتصادها و سياستها من الهيمنة الأمريكية:مثل ما تقوم به ايران الآن من وكوريا الشمالية من تطوير لبرامجهم النووية والدفاع عن حقهم المشروع فى معادلة ميزان القوة المختل فى العالم؛أمريكا اللاتينية وصعود اليسار فى مختلف دول القارة كوبا(فيدل كاسترو)،البرازيل(لولا دى سيلفا).فنزويلا(هوجو شافيز)،الارجنتين(نستن كريتشنر)،كولومبيا والمكسيك اخيرا وأنا هنا لا اروج الى الفكر اليسارى اقصد ان صعود مثل هذه الاتجاهات المعادية لأمريكا ليس شئ مستحيل أو غير واقعى ولكن هو يعبر عن رغبات الملايين حول العالم الذين يعانون من الاحتكار وسطوة الشركات المتعددة الجنسيات والخصخصة.أتحدث هنا عن شعوب أحست بالخطر الزاحف عنها الناتج من عولمة القطب الواحد وهم فى الساحة الخلفية لأمريكا ولم تقدر الولايات المتحدة الأمريكية ان تقف فى وجه اختيار حر لحكومات تمثل اتجاهات ورغبات العوام فى العدل الاجتماعى والحرية.
اذن التحرر من الاعتماد على امريكا ممكن ووارد وممكن تحقيقه ولكن لابد من وجود آليات لتنفيذ ذلك :أولا المناقشة الموضوعية للوجود الأمريكى فى المنطقة وحساب أبعاده ومدى توغله فى الشأن الداخلى وتقدير مميزات وعيوب هذا الوجود. ثانيا اختيار موقف واحد يتم تفعيله فى جميع المستويات سواء حكومية،حزبية،أو مؤسسات المجتمع المدنى او حتى على المستوى الشعبى.وأخيرا وليس آخرا وضع الأولوية لثقافاتنا وهويتنا العربية والمصرية وتظل هذه النقطة هى الأهم على كل المستويات فتفعيل هذه الهوية ودعمها لن ينعكس فقط على المستوى الثقافى والأخلاقى بل يمتد الى دعم الانتماء الذى بدوره يزيد من انتاجية المواطن فتحدث نهضة اقتصادية وعندما تملك الشعوب قوت يومها فبالتالى تملك مقدراتها السياسية وتكون مسئولة عن مواقفها النابعة من شعوبها.
ولكن يظل الشعار الأبدى لحكومتنا الديجيتال فى التعامل مع امريكا:"اللى تكسب به العب به."
شكرا للسادة الأعضاء انكم انتظرتم لمدة ثلاثين ثانية حتى طردتمونى لأكمل خطبتى خارج المجلس الموقر كما أشكر جمعية"امرك مصر"للديمقراطية لاستضافتها لى حتى تتسنى لى فرصة لطرح وجهات نظرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق